السلام عليكم متابعي وزوار موقع بكالوريا الجزائر التعليمي , أعزاءي طلبة السنة الثالثة ثانوي , اليوم بحول الله سنقدم لكم مقالة الإحساس والإدراك بطريقة الجدلية
- هل الحياة النفسية قائمة على الشعور أم اللاشعور؟
- هل الحياة النفسية تتأسس على الشعور أم اللاشعور ؟
- هل كل ما هو نفسي شعوري؟
- هل الحياة النفسية مرادفة للحياة الشعورية؟
- هل تقوم الحياة النفسية على الشعور فقط أم أنه يمكن أن نسلم بوجود حالات لا نعيها ونسميها اللاشعور؟
- لم يرد في البكالوريا
يوحي السؤال بوجود موقفين متناقضين متعارضين المطلوب مني هو الفصل في القضية و الطريقة المناسبة هي الجدلية.
طرح المشكلة
تعتبر الذات الإنسانية عبارة عن مركب متفاعل من الجوانب العضوية والنفسية والاجتماعية، ولكن التعقيد الذي تتميز به الحياة النفسية جعلها تحظى باهتمام علماء النفس القدامى والمعاصرين أكثر من أي جانب آخر، فحاولوا دراستها وتفسير الكثير من مظاهرها، والواقع أن هذا الجانب النفسي بما يحتويه من أفعال وأحوال لا يزال يشغل حيزا كبيرا من التفكير الفلسفي وعلم النفس في محاولة لتحديد ماهيته وحقيقته وكذا الأسباب والدوافع التي تقف وراء الأفعال والأحوال فاتجه بعضهم إلى الاعتقاد بأن الحياة النفسية قائمة على الشعور والوعي فقط وهم أصحاب المدرسة التقليدية في علم النفس، بينما ذهب آخرون أنصار مدرسة التحليل النفسي إلى القول بوجود جانب خفي اسمه اللاشعور الذي يعتبر مؤثرا على السلوك والأفعال الإنسانية، لهذا فالمشكلة المطروحة هل تقوم الحياة النفسية على الشعور فقط أم أنه يمكن أن نسلم بوجود حالات لا نعيها ونسميها اللاشعور ؟محاولة حل المشكلة
الموقف الأول:يرى التقليديون أن علم النفس هو علم الشعور وأنه هو الذي يجب اعتماده كأساس لدراسة أي حالة نفسية، وأن ما هو نفسي مساو لما هو شعوري، فالإنسان يعرف كل ما يجري في حياته النفسية ويعرف دواعي سلوكه وأسبابه، ويمثل هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت حيث قال: "لا تستطيع الروح تأمل أشياء خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية". وانطلاقا من هذا الطرح فإن الحياة النفسية مساوية للحياة الشعورية فنحن ندرك بهذا المعنى كل دواعي سلوكنا فلا شيء يحدث في النفس دون أن يشعر به صاحبها يقول هنري برغسون: "الشعور والحياة النفسية مترادفان" أي أن ما لا نشعر به فهو ليس من أنفسنا والإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يعرف تخيلاته وأحاسيسه بنفسه ويتعرف من خلال الشعور على حقيقة الأشياء المحيطة به في العالم الخارجي يقول ديكارت: "أنا أفكر إذن أنا موجود" ويقول ادموند هوسرل: "كل شعور هو شعور بشيء" كما أن خصائص الشعور دليل على انه هو قوام وأساس الحياة النفسية فهو يتميز بخاصية مهمة وهي الديمومة والاستمرارية والاتصال أي انه لا يعرف الانقطاع يقول برغسون: "الشعور كالنهر المتدفق الذي لا يعرف الانقطاع دائم الجريان وحتى وان تدنى مستوى تدفقه إلا انه يبقى موجودا" وأيضا أنصار هذه النظرية يذهبون إلى حد إنكار وجود حالات لا شعورية للتأكيد على فكرة أن الشعور هو الأساس الوحيد للأحوال النفسية وحجتهم في ذلك أن القول بوجود حالات لا شعورية هو قول يتناقض مع وجود النفس والعقل القائم على إدراكه لذاته، ولذلك يرى برغسون أن الشعور يتسع باتساع الحياة النفسية، وهذا ما تجسده مقولته: "إن السلوك يجري دائما في مجرى شعوري" ومن الذين رفضوا وجود حياة لاشعورية ودافعوا بقوة عن فكرة الشعور الطبيب العقلي النمساوي ستيكال حيث قال: "لا أؤمن باللاشعور، لقد آمنت به في مرحلتي الأولى ولكنني بعد تجاربي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الأفكار المكبوتة يشعر بها المريض لكنه يتجاهلها لأن المريض يخاف دائما من رؤية الحقيقة" أي أن الأحوال النفسية كلها شعورية وحتى لو كانت أحوالا مرضيا فانه يتم الشعور بها ولكن يتجاهلها المريض خوفا من رؤية الحقيقة.
النقد:
بالرغم من منطقية الأدلة التي اعتمد عليها أصحاب المدرسة الكلاسيكية إلا أن تأسيس الحياة النفسية على الشعور فقط يبقي مجالا كبيرا من حياتنا بدون تفسير فإذا كان الشعور يفسر كثيرا من الظواهر النفسية والسلوكية إلا أن هناك بعض التصرفات غير الواعية يقوم بها الإنسان دون أن يشعر بها كالأحلام وفلتات اللسان ولا يمكن للشعور تفسيرها.
الموقف الثاني:
ذهب أنصار الطرح الثاني إلى الدفاع عن فكرة اللاشعور بل واعتبارها مفتاحا لفهم الشخصية، والأسلوب الأمثل لعلاج الكثير من الأمراض النفسية، حيث أشار بعض فلاسفة العصر الحديث إلى وجود حياة نفسية لا شعورية ومنهم لايبنيتز وشوبنهاور إلا أن براهينهم كانت عقلية يغلب عليها الطابع الفلسفي الميتافيزيقي، ولذلك لا يعتبر فرويد أول من انتبه إلى الحوادث اللاشعورية ويعود الفضل في البرهنة تجريبيا على هذا الجانب إلى علماء الأعصاب الذين كانوا بصدد معالجة أعراض مرض الهستيريا من أمثال بروير وشاركو ففريق رأى أن هذه الأعراض عضوية تعود إلى خلل في المخ وفريق آخر رأى أن هذه الأعراض نفسية فلا بد إذا أن يكون سببها نفسي وهذا ما أشار إليه بيرنهايم فيما بعد، وكانت طريقة العلاج المتبعة هي إعطاء المريض أدوية ذلك كانت هذه الطريقة محدودة النتائج واستمر الحال إلى أن ظهر سيغموند أو تنويمه مغناطيسيا، ومع فرويد الطبيب النمساوي والذي ارتبط اسمه بفكرة اللاشعور ومدرسة التحليل النفسي وطريقة التداعي الحر إذ يقول: "إن طريقة التداعي الحر من المزايا الهامة فهي تتجنب كل ضغط على المريض بأكبر قدر ممكن" وهذه الطريقة قائمه على ترك المريض يبوح ويعبر بكل حرية عن رغباته وذكرياته المكبوتة وإظهارها في ساحة الشعور فإذا نجح المريض في تحريرها فان الشفاء يزيد بنسبة كبيرة، وأيضا رأى فرويد أن الأحلام وزلات اللسان وهذه الأفكار التي لا نعرف في بعض الأحيان مصدرها لا تتمتع بشهادة الشعور فلا بد من ربطها باللاشعور لذا يقول: "أن علم النفس الذي يقتصر على دراسة الشعور لا يستطيع حل مشكلتي الأحلام والتنويم المغناطيسي"، وفي اعتقاده أنه يجب فرض اللاشعور لإدراك معنى فلتات اللسان وزلات القلم والنسيان المؤقت لأسماء بعض الأشخاص والمواعيد قال فرويد: "فرضية اللاشعور فرضية لازمة ولنا أدلة كثيرة على وجوده" وقد أرجع فرويد كل السلوكيات والعقد النفسية إلى غريزتين وهما الغريزة الجنسية " الليبدو " الذي يشمل كل مظاهر الحب والعاطفة وجعل منها المحرك الأول للحياة والنشاطات النفسية المختلفة إذ يقول: "إن الفنان الذي يرسم لوحة فنية ليس إلا طريقة لاشعورية للتعبير عن غريزته الجنسية المكبوتة" وأيضا الغريزة العدوانية "الموت" وتشمل كل مظاهر السيطرة والهدم والكراهية ضد النفس أو الآخر إذ يقول: "كل أشكال الحياة هدفها الموت" وهكذا تبين له أن الأعراض العصبية كالهستيريا والخوف تعود لرغبات أو ذكريات مكبوتة في اللاشعور وهذا ما إلى تقسيم الجهاز النفسي إلى ثلاثة أقسام وهي الهو منبع الرغبات والذكريات والأنا الأعلى مصدر الموانع والأوامر والأنا ساحة الصراع بينهما، إذ يقول: يستمد" الأنا طاقته من الهو و قيوده من الأنا الأعلى" وبالتالي فاللاشعور هو أساس الحياة النفسية.
النقد:
نحن لا ننكر أهمية هذا الطرح الجديد الذي جاء به فرويد لكن إذا كانت بعض الأعراض لا نجد لها تفسيرا في الحياة الشعورية فهذا لا يدل على سيطرة اللاشعور على حياة الإنسان فالإنسان كائن يتميز بالوعي وله القدرة على توجيه سلوكياته بنفسه ولا يمكن أن يطغى عليه اللاشعور دائما.
التركيب
ومن هذا المنطلق لا يمكن إهمال الشعور ولا يمكن التنكر للاشعور لأنه حقيقة علمية وواقعية دون المبالغة في تحديد دوره فالسلوك الإنساني محصلة لعوامل شعورية ، ولاشعورية فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية واللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها. لهذا أرى أن الصحيح هو ما ذهب إليه فرويد في قوله: "إن قسيم الحياة النفسية إلى ما هو شعوري وما هو لاشعوري هو الفرض الأساسي الذي يقوم عليه التحليل النفسي" لأن الشعور مصدر معرفة الإنسان لذاته واللاشعور له دور كبير في تفسير السلوكات.