مقالة فلسفية بطريقة الجدلية حول الذاكرة و الخيال

 السلام عليكم متابعي وزوار موقع بكالوريا الجزائر التعليمي، أعزاءي طلبة السنة الثالثة ثانوي، اليوم بحول الله سنقدم لكم مقالة الذاكرة و الخيال بطريقة الجدلية.

مقالة فلسفية بطريقة الجدلية حول الذاكرة و الخيال
صيغ السؤال
  • هل الذاكرة ظاهرة فردية أم اجتماعية؟
  • هل الذاكرة ذات طبيعة فردية أم اجتماعية؟
  • هل ذكرياتنا بناء فردي أم جماعي؟
  • هل تعتبر ذاكرتنا صدى للأطر الاجتماعية؟
  • هل أساس حفظ الذكريات هو الجانب الفردي أم الاجتماعي؟ 
تاريخ وروده في البكالوريا
  • لم يرد في البكالوريا
فهم السؤال
يوحي السؤال بوجود موقفين متناقضين متعارضين، المطلوب مني هو الفصل في القضية و الطريقة المناسبة هي الجدلية.

طرح المشكلة

يتميز الإنسان عن باقي الكائنات بامتلاكه قدرات عقلية عليا منها الذاكرة التي تعتبر وظيفة إنسانية تقوم بعملية تخزين واسترجاع كل ما هو ماضي من معلومات وخبرات وصور ومواقف مع التعرف عليها من حيث كذلك، ويعرفها جورج ميلر: "هي حفظ واستباق المهارات والمعلومات السابق اكتسابها"، أما المسألة التي شغلت بال الفلاسفة والمفكرين هي حول تفسير أساسها وطبيعتها وأصلها وانقسموا بذلك إلى فريقين فريق يرى أن طبيعة الذاكرة فردية ذاتية بينما يذهب الرأي الآخر إلى اعتبارها ظاهرة اجتماعية فهل أساس حفظ الذكريات هو الجانب الفردي أم الاجتماعي؟

محاولة حل المشكلة

الموقف الأول:
الذاكرة فردية النظرية المادية ويمثل هذا الاتجاه كل من ريبو، جورج بروكا ، وليام جيمس حيث ذهبوا إلى القول بأن أصل الذاكرة يعود إلى الأصل المادي العضوي أي " الدماغ " الذي يعتبرونه بمثابة وعاء تحفظ فيه جميع الذكريات، حيث أن هذه الأخيرة أي الذكريات تحدث آثارا مادية على مستوى قشرة الدماغ وخاصة في منطقة الذكريات، ومن ثمة شبه بروكا الدماغ بالأسطوانة التي تسجل فيها الأغاني والكلمات فكما أن الأغاني تبقى محفوظة في الأسطوانة كذلك الذكريات تبقى محفوظة في الدماغ حتى يأتي منبه يتعمد إحيائها من جديد، يقول ريبو: "الذاكرة وظيفة عامة يقوم بها الجهاز العصبي"، وما يثبت أن الذاكرة عضوية فهي تتأثر بما يتأثر به المخ فإذا ما أصيب الدماغ بآفة فإن ذلك يؤثر عليها أيضا وفي ذلك يقول ريبو: "الذاكرة وظيفة فيزيولوجية بالماهية وسيكولوجية بالعرض" معتمدا في ذلك على تجارب الطبيب الفرنسي جورج بروكا حيث يؤكد أن أي صدمة أو إصابة على مستوى الدماغ خاصة في منطقة حفظ الذكريات تؤدي إلى إتلاف الخلايا العصبية وسميت بعد ذلك بمنطقة بروكا ولهذا تجد ابن سينا قديما يقول: "إن الذاكرة هي التجويف الأخير من الدماغ" وعليه يمكن اعتبار الذاكرة ظاهرة عضوية وهذا ما يؤكده ديكارت بقوله : "الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم"، وعلى الرأي الآخر في الجانب الفردي النظرية النفسية - يرى برغسون أن أساس حفظ الذكريات هو الجانب النفسي الفردي فالذاكرة ظاهرة نفسية محضة تتداخل فيها عوامل الانتباه والذكاء والتركيز وحجته في ذلك أن التذكر يمثل حالة شعورية نفسية خالصة تنطلق من الماضي إلى الحاضر فتعيد بناء الماضي في الحاضر فهي تستحضره في الشعور بتفاصيله دفعة واحدة ولذلك عرفها لالاند بقوله: "هي القدرة على إحياء حالة شعورية ماضية مع التعرف عليها من حيث هي كذلك"، وبناءً عليه قسم يرغسون الذاكرة إلى قسمين الأولى ذاكرة حركية وتتم على مستوى الجسم وتتميز بالآلية وهي مرتبطة بالجسم ويمكن تسميتها بالعادة أما الثانية فهي الذاكرة النفسية وهي الذاكرة الحقيقية التي تعيد بناء الماضي من جديد مكانها عمق الذات أي "الشعور" وهي في ديمومة مستمرة، فإذا ما أصيب الدماغ بعاهة فان ذلك يؤثر على الذاكرة الحركية وليس النفسية وهذه هي الحجة التي اعتمدها يرغسون في إرجاع الذاكرة إلى العامل النفسي لذلك يقول: "إني أذا أردت حفظ أبيات فعلي تكرارها حتى استطيع قراءتها دون خطأ ثم إني انظر كل مرة ما أحدثه ذلك الشعر في من شعور وأحاسيس" فالأنشودة التي تؤثر فينا نفسيا وتعبر عن مشاعرنا نحتفظ بها بسهولة ويسهل علينا حفظنا بخلاف تلك التي لا تنطبق مع مشاعرنا كما أن الذكريات تتردد وتنتقل من الشعور إلى اللاشعور فالذكريات غير المستغلة تشق طريقها نحو اللاشعور وتعتبر الأحلام خير دليل على البعد النفسي والفردي للذاكرة ونظرية فرويد في الكبت خير شاهد على ذلك، مثال ذلك أن نحلم بشخص عزيز علينا لم نره منذ طويلة فتصبح الرغبة في لقاءه مترجمة على شكل حلم أو نشاط لا شعوري.

النقد:
ما يعاب على النظرية البيولوجية أنها مالت إلى التركيز على الجانب المادي العضوي على حساب الجانب النفسي فقد يكون فقدان الذاكرة يرجع إلى إصابات نفسية كما انه ليست كل صدمة على مستوى الدماغ تؤدي إلى فقدان الذاكرة وكذلك بالغوا في تشبيه الذاكرة بالأسطوانة لأننا نعلم أن الاسطوانة محدودة والذاكرة لا حدود لها، أما برغسون فانه جعل من الفرد معزولا عن المحيط الاجتماعي وذلك لأن الواقع يؤكد أن بناء الذكريات لا يكون مفارق للحياة الاجتماعية ولذلك قيل: "أنا غريب إن لم أكن بين جماعتي" إضافة إلى أن التفسير الذي قدمه برغسون تفسير ميتافيزيقي فهو لا يقدم لنا إجابة أين تحفظ الذكريات.

الموقف الثاني:
الذاكرة اجتماعية يرى علماء الاجتماع أن الذاكرة ظاهرة اجتماعية وهي محصلة لتفاعل الشروط الاجتماعية كما قال هالفاكس: "عندما أتذكر فان الغير هم الذين يدفعونني إلى التذكر" أي أن عامل المجتمع مهم في بناء الذكريات والتأثير فيها والذي اعتبره عالم الاجتماع الفرنسي هالفاكس أهم مؤثر في عملية التذكر فالمجتمع في نظره هو من يساعد الإنسان على التذكر من خلال العادات والتقاليد الاجتماعية التي سماها الأطر الاجتماعية للذاكرة، وألف في شأنه كتابه الشهير "الأطر الاجتماعية للذاكرة" حيث يقول في هذا الكتاب " إن الماضي لا يحتفظ به، إنما يعاد بناءه من الحاضر والذاكرة تكون قوية عندما تنبعث من نقطة التقاء الأمل الاجتماعية" أي أننا نعيد بناء الذكريات بالاستناد إلى أحداث اجتماعية لأننا نشارك في الحياة الاجتماعية كالأعياد والمواسم والمدرسة والشارع فكلها نقاط ارتكاز يستند إليها التذكر وتجعل تمييزنا للأمور أكثر دقة ووضوحا، يقول هالفاكس : "ذكرياتنا ليست حوادث نفسية أو مادية محضة ترتبط بالدماغ بل هي تجديد بناء الحوادث بواسطة الأطر التي يمدها المجتمع بمعنى أن الإنسان لا تنمو وظائفه العقلية ولا تتطور إلا داخل إطار اجتماعي، فنحن نقول مثلا قبل الحرب حدث كذا وبعد حصولي على الشهادة حدث كذا وإذا نسي أحدنا تفاصيلا معينة حول حادث ما فانه يستعين بخبرة الغير لتذكره يقول بيار جانيه لو كان الإنسان وحيدا لمـ كانت له ذاكرة فالإنسان حيوان اجتماعي بطبعه كذلك يؤيده في هذا الفيلسوف الفرنسي جون دولاي" الذي يعتقد أن الذاكرة الاجتماعية عبارة عن وسيلة أنشأها المجتمع لمقاومة شروط الغياب، فلا بناء للذكريات ولا حفظ لها إلا بواسطة الإشارات والرموز أي اللغة وهذه الأخيرة في جوهرها ليست سوى انعكاسا للروح الجماعية ومن إنشاء المجتمع نفسه.

النقد:
لكن أصحاب هذا الموقف أخلطوا بين طبيعة الذاكرة والعوامل المساعدة لها لان المجتمع مجرد عامل مساعد لنا أثناء التذكر لا أكثر ولا أقل، كما أنه من المستحيل القول إن الذاكرة مشتركة داخل المجتمع لأنه لكل فرد ذكرياته الخاصة التي لا يعرفها غيره من أفرادالمجتمع.

التركيب

يمكن القول إن الذاكرة من الوظائف العليا المعقدة، ومن الصعب الحكم عليها أنها مجرد خبرات مشتركة. بين الأفراد ولا هي من صنع الفرد وحده، فالذكريات تساهم في تركيبها عدة عوامل منها الفردية المعبرة عن الأبعاد المادية العصبية ومنها الأحوال النفسية الشعورية ومنها العوامل الاجتماعية المشتركة بأبعادها وأطرها المختلفة.

لهذا أرى حسب اعتقادي أن الذاكرة من طبيعة فردية بشكلها المادي والنفسي والمجتمع يعتبر مساعدا لعملها أثناء التخزين والاسترجاع، مثال ذلك ترديد النشيد الوطني الذي يكون بالاستعانة بالذاكرة المادية عن طريق الترديد فتحفظ في خلايا الدماغ ثم تدخل في الجانب النفسي بشقيه الشعوري واللاشعوري إن دفعة واحدة وإذا عجز احدنا عن استرجاع بعض الكلمات فانه يستعين ببقية التلاميذ عن طريق تسترجع الذاكرة الاجتماعية وهذا الحل التوفيقي عبر عنه دولاكروا : "الذاكرة نشاط يقوم به الفكر ويمارسه الشخص بأبعاد العضوية والنفسية والاجتماعية".

حل المشكلة

من خلال التحليل السابق نستنتج أن الذاكرة ذو طبيعة مادية باعتبارها محفوظة وراسخة في الدماغ عن طريق التكرار وهي وظيفة نفسية تهدف إلى استرجاع حالات شعورية ماضية وهي ذات مصدر اجتماعي كذلك باعتبار أن الذكريات غالبا ما تكون مرتبطة بالمجتمع.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-